استقر بها التوانسة وأسسوا قريتهم.. كاستامونو التركية سحر الطبيعة وجمال الماضي
أحمد صالح حلبي
حينما وصلت إلى مطار مدينة كاستمونو ، جذبتني مبانيها التي اتخذت من الطابع التقليدي القديم عنوانا لها لتبرز ثقافة المدينة وسكانها ، إضافة لميادينها التي تروي قصصا وأحداثا تاريخية ، وغاباتها الجاذبة للزوار والسياح .
وتمتاز كاستامونو بأنها مدينة جامعة بين سحر الطبيعة ، وجمال الماضي ، لذلك يقول عنها الاتراك جنة مخفية ، وهي كمنطقة تجمع بين التراث الثقافي والتاريخي ، تضم مجموعة من القلاع التي تعود للعصر البيزنطي كقلعة كاستامونو التي تقف على قمة تل يطل على المدينة ، ممثلة لواحدة من أبرز المعالم التاريخية ، وقد بنيت خلال العصر البيزنطي ، وشهدت عدة تعديلات خلال العصرين السلجوقي والعثماني ، فيما يمثل متحف المدينة فرصة للزوار للتعرف على تاريخ وثقافة كاستامونو من خلال محتوياته التي تضم قطعا أثرية تعود إلى العصور القديمة والحديثة ، إضافة لتقديمه عروضا تسلط الضوء على الحياة اليومية لسكان المنطقة عبر التاريخ ، كما تلعبي الأسواق القديمة دورا في إبراز الصناعات التقليدية للمدينة كالنحاس .
وتشكل غابات كاستامونو الوطنية محمية طبيعية حيث يستمتع الزائر بالتنوع البيولوجي في تركيا ، ولهواة المشي وتسلق الجبال وفرة وسائل المساعدة تمكنهم من ممارسة هوايتهم ، إضافة إلى منحهم فرصة مراقبة تحركات الطيور وهجرتها .
وما جذبني لزيارة هذه المدينة قربها من قرية التوانسه التي قرأت عنها ، وأخذت أخطط لزيارتها والتعرف على تاريخها ، خاصة وأن أول من سكنها هم جنود توانسه قدموا من الشمال الإفريقي فنسبت لهم .
وقرية " التوانسة " بتركيا يطلق عليها الأتراك Tunuslar، أي قرية التوانسة ، وتوجد في شمال وسط تركيا في المنطقة الواقعة على سواحل البحر الأسود. وتبعد عن مركز الولاية مسافة 59 كلم. ويبلغ ارتفاعها عن سطح البحر 1150م. فسكان هذه القرية الحاليون هم أحفاد مجموعة من التوانسة الذين شاركوا في حرب القرم، وهي حرب اندلعت بين روسيا والسلطنة العثمانية بتاريخ 28 مارس عام 1853م، واستمرت حتى 1856م. ودخلت بريطانيا وفرنسا الحرب إلى جانب الدولة العثمانية في 1854م التي كان قد أصابها الضعف، ثم لحقتها مملكة سردينيا التي أصبحت فيما بعد (1861م) مملكة إيطاليا. والسبب الرئيس في إشعالها هي الأطماع الإقليمية لروسيا على حساب الدولة العثمانية، وخاصة في شبه جزيرة القرم التي كانت مسرحا للمعارك والمواجهات. وانتهت الحرب في 30 مارس 1856م بتوقيع اتفاقية باريس، وهزيمة الروس هزيمة فادحة.
وقد شاركت تونس في هذه الحرب حيث أرسل أحمد بأي جيشا قوامه 20 ألف جندي تحت إمرة {الجنرال رشيد}، وكان الهدف الأساسي لأحمد بأي من المشاركة في هذه الحرب هو استعراض جيشه الجديد أمام المحتل الفرنسي وإظهار قدراته على الردع وأن تونس تمتلك جيشا عصريا قادرا على الدفاع عنها في حال تمادت الأطماع الفرنسية وأرادت احتلال تونس.
واستشهد عدد من الجنود التوانسة، ورجع عدد آخر منهم إلى تونس، فيما فضل آخرون البقاء في تركيا فمنحهم السلطان العثماني قطعة أرض في ولاية قسطموني ليسكنوا فيها، فسميت القرية باسمهم، وما زالت إلى اليوم تسمى بهذا الاسم.
وبقى التوانسة القاطنون بالقرية محافظين على عاداتهم وتقاليدهم التونسية في المأكل والملبس، وورثوها لأبنائهم، وانتقلت لأحفادهم، وفي عام 2003م أنشئ سبيل أطلق عليه «الصداقة التونسية التركية»، وحضر حفل إطلاق السبيل عدد من التوانسة والأتراك.
وما زال العلم التونسي يرفرف إلى اليوم في قمة الجبل، كما لا تزال مقبرة الجنود التوانسه موجودة في وسط القرية وقائدهم الكولونال (محمد التونسي)، وهناك عدد من التوانسة يحرصون على زيارة هذه القرية كل عام، مؤكدين أن من توفي من الجنود له أقارب بتونس ومن بقي على قيد الحياة وتزوج وأنجب، فإن أبناءه وأحفاده هم تونسيون لا يمكن نسيانهم.