أنطاكيا ... مدينة التاريخ والحضارة
أحمد صالح حلبي
تعددت رحلاتي إلى تركيا ، لكنها انحصرت في زيارة بعض المدن كإسطنبول وطرابزون ، وريزا ، وسامسون ، وأوردو ، وإزمير ، والعاصمة أنقرة وغيرها ، ولم يحالفني الحظ بالتوجه صوب مدن الجنوب التركي باستثناء مدينتي أورفا وغازي عنتاب التي زرتها عام 2018 وتشرفت حينها بالالتقاء بالسيد علي يرلي قايا وزير الداخلية الحالي ، الذي كان واليا لغازي عنتاب ، كما سعدت بالالتقاء بالسيدة فاطمة شاهين رئيس البلدية ، التي أراها تستحق أن تكون المراءة الحديدية لكونها أول امرأة في تركيا تتولى منصب وزيرة الاسرة والسياسات الاجتماعية من منطقة جنوب شرق الأناضول ، وأول امرأة تشغل منصب نائبة مجلس الشعب عن غازي عنتاب ، وأول امرأة تشغل منصب عضو بمجلس النواب لفترتين متتاليتين ، ورئيسة للجنة البحث في أحداث العنف ضد الأطفال وجرائم الشرف في البرلمان التركي ، وغيرها من المناصب القيادية .
وجاءت رحلتي هذه المرة صوب الجنوب التركي إلى محافظة هاتاي التي تشتهر بتاريخها العريق، وثقافتها العربية ، كما تمتاز بفن الطهي الذي مكنها بأن تكون عضواً في شبكة اليونسكو للمدن الإبداعية .
أما مدينة أنطاكيا التي تمثل عاصمة الولاية فهي مدينة تاريخية ولها أهمية لدى المسيحيين في الشرق ، وكانت تلقب بـــ " تاج الشرق الجميل " ، و«أروع مدن الشرق» لكونها ملتقى أهم الطرق التجارية، ولم تكن عاصمة إدارية وثقافية وعسكرية فحسب، بل برزت أهميتها المسيحية باكرًا على ما يذكر سفر الأعمال .
ورغم أن الرحلة جاءت ضمن وفد إعلامي عالمي إلا أن هذا لم يمنعني من التعرف على المدينة التي وقفت بشدة أمام الزلزال الذي ضربها في 2023 م وتسبب بتدمير عدد من المباني وإصابات ووفيات بالألاف ، ولم يكن الأول أو الأعنف فقد شهدت المدينة زلزالا في 13 كانون الأول/ديسمبر عام 115 للميلاد .
ولأن أنطاكيا مدينة التاريخ القديم فقد احتضنت فندقا حمل اسم " فندق المتحف " لكونه بني بطريقة هندسية مميزة ، وجمال معماري فوق أطلال رومانية ، ويضم نحو مائتي غرفة ، وتم بناؤه على أعمدة فولاذية للحفاظ على الطابع الروماني القديم الذي يعود للقرن الثالث قبل الميلاد ، ويقال أنه بني على أطلال مدينة أنطاكية التاريخية .
وعلى الرغم من الحزن العميق الذي شعر به سكان المدينة ، بعد زلزال 2023 ، بدأت الحكومة التركية عملية إعادة إعمار
لكنهم استطاعوا الصمود وتحققت رغبتهم القوية في التعافي بعد الزلازل ، بعد أن بدأت الحكومة التركية عملية إعادة إعمار أنطاكيا وتخصيص موارد مالية ضخمة، وتوفير تسهيلات ، وتطوير شامل يتضمن الحفاظ على روح المدينة الأثرية ، وهذا ما رأيته في عودة الحياة لشارع أتاتورك في أنطاكية بعد إعادة إعمارها ، فظهرت العزيمة والإصرار والتحدي لإثبات الإرادة وبدء الخطوة الأولى على طريق إعادة الاعمار ، بالأفعال لا الأقوال .
وفي الختام أقول إن كانت أنطاكيا تضم معالم تاريخيه كمهد للمسيحية ومركز ثقافي، ومتحف أنطاكيا الأثري الشهير بفسيفسائه الرومانية، فإن بها مسجد حبيب النجار التاريخي، الواقع وسط المدينة التاريخية ، والذي بناه الصحابي الجليل أبو عبيدة بن الجراح بعد فتح المسلمين لأنطاكية عام 638 ميلادية .